سورة الأحقاف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


أجل مسمى: يوم القيامة. أُنذِروا: اعلِموا وخوفوا. تدْعون: تعبدون. أم لهم شِرك: ام لهم نصيب. أو أثارة من علم: بقية من علم. واذا حشِر الناس: إذا جمعوا يوم القيامة.
افتتحت سورة الاحقاف بحرفين من حروف الهجاء مثل كثير من السور غيرها وقد تقدم الكلام على ذلك، وكذلك نص الآية {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم} مثل افتتاح سورة الجاثية.
ما خلقْنا هذا الكونَ العديب الا على نواميس ثابتة، وحكمة بالغة، والى أمد معين هو يوم القيامة.. أما الذين كفروا بالله ورسله فهم معرِضون عما أُنذِروا به من انهم يبعثون بعد الموت للحساب والجزاء.
ثم يردّ اللهُ تعالى على من يعبد غيره من المشركين فيأمر الرسولَ الكريم أن يقول لهم: أخبِروني عن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله؟ هل خلقوا شيئاَ في هذه الدنيا، ام أنهم شاركوا في خلْق السموات؟ انْ كان ما تدّعون حقا فأْتوني بكتابٍ من قبل هذا القرآن، أو أي أثرٍ من عِلم الأولين تستندون اليه في دعواكم {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
وأيّ ضلالٍ أكبر ممن يعبد معبوداتٍ لا تسمع ولا تنطق ولا تستجيب أبدا! والمشركون مع ذلك غافلون عن هذه الحقيقة.
حين يُجمع الناس للحساب يوم القيامة تتبرأ هؤلاء المعبودات من المشركين وتغدو أعداء لمن عبدوهم {وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} ومثله قوله تعالى: {واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [مريم: 81-82].


للحق: للقرآن. افتراه: كذب به. فلا تملكون لي من الله شيئا: لا تغنون عني شيئا ان اراد الله عقابي. تفيضون فيه: تخوضون في من تكذيب لقرآن. ما كنتُ بدعا من الرسُل: هناك قبلي رسل كثير، فما أنا أول رسول لا مثيل لي.
بعد أن قرر الله تعالى وحدانيته وثبّتها، ونفى الأضدادَ وكل ما يُعبد غيره- يقرر هنا أن رسالة سيدنا محمد حق، وان الرسول كلّما تلا على مشركي قومه شيئا من القرآن قالوا إنه سِحر، بل زادوا في تكذيبه فقالوا انه افتراه. ويردّ الله عليهم بأنه لو افتراه على الله فمن يمنع الله من عقابه!! والله هو العليم بما يخوضون فيه من أحاديث وتكذيب!
{كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الغفور الرحيم}.
كفى بالله شهيداً لي بالصدق، وشهيداً عليكم بالكذب. ثم يجيء التعقيب اللطيف: {كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الغفور الرحيم}.
كفى بالله شهيداً لي بالصدق، وشهيداً عليكم بالكذب. ثم يجيء التعقيب اللطيف: {وَهُوَ الغفور الرحيم} فان الله مع كل هذا الكفر والعناد من المشركين يُبقي بابَ التوبة والمغفرة والرحمة مفتوحاً دائما، فلا يقنط من رحمته أحد.
ثم يأمر رسولَه الكريم أن يقول لهم: إني لستُ أول رسول من عند الله فتنكروا رسالتي، ولست أعلمُ ما يفعل الله بي ولا بكم، وما أتّبع فيما أقول أو أفعل إلاّ ما يوحيه إليّ الله {وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ فَآمَنَ واستكبرتم إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}.
يقول معظم المفسّرين: إن هذه الآية بالذات مدنية، قد نزلت في عبدِ الله بن سَلام، وكان من أكبرِ علماءِ بني إسرائيل، أسلم بالمدينة، وأحدثَ إسلامُه ضَجّةً عند اليهود، وقصتُه طويلة يُرجَع إليها في كتب الحديث والسيرة.
ويكون المعنى: قل لهم أيها الرسول: أخبِروني إن ثبتَ أنّ القرآنَ حقٌّ من عند الله، وآمن به عالِمٌ من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام الذي يُدرك أسرارَ الوحي ويشهد ان القرآن من عند الله كالتوراة التي أَنزلها على موسى... ماذا يكون حالُكم إذا بقيتم على ضلالِكم وكفركم؟ افلا تكونون من الظالمين؟.
وقال جماعة من المفسرين: إن الشاهدَ موسى بن عمران، وان التوراة مثلُ القرآن كلاهما من عند الله، وان موسى شهِدَ على التوراة، ومحمدٌ شهِدَ على القرآن صلى الله عليهما وسلم. وهذا ما يُرجِّحه الطبري، لأن السورة مكية، فيما اسلم عبد الله بن سلام بالمدينة بعد الهجرة.
ثم حكى عن المشركين شُبهةً أخرى بشأن إيمان من آمَنَ من المسلمين من الفقراء كَعَمّار وصُهَيب وابنِ مسعود وغيرِهم فقالوا: لو كانَ هذا الدينُ خيراً ما سبَقَنا إليه هؤلاء الضعفاءُ من الناس، وانما قرآن محمد افكٌ قديم من أساطير الاولين.
وقد ردّ الله عليهم طَعْنَهم هذا في القرآن وأثبت صحته فقال: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً وهذا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ}.
القرآن كالتوراة التي نزلت على موسى، كلٌّ منهما إمامٌ ورحمةٌ لمن آمن به وعمِلَ بموجبه، وقد بشَّرت التوراةُ بسيّدنا محمد: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر} [الأعراف: 157]. وهذا القرآنُ مصدِّق بالتوراة وما قبلَه من الكتب، وينطِق بلسانكم أيها العربُ، وينذِرُ من أساءَ بالعذاب، ويبشّر من أحسنَ بالثواب، فكيف يكون إفكاً قديماً، وسحرا وأساطير؟
قراءات:
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب وابن كثير: {لتنذر} بالتاء. والباقون: بالياء.


وصّينا الانسان: أمرناه أن يفعل كذا.. ومثله أوصاه. كُرها: بضم الكاف وفتحها: مشقة. حَمْله وفصاله: مدة حَمْلِه وفطامه. أشده: صار بالغا مستحكما القوة والعقل. أوزِعني: ألهِمني، رغّبني، وفقني. أصلحْ لي في ذريتي: اجعل لي خلَفاً صالحا. في أصحاب الجنة: يدخلون الجنة مع الذين انعم الله عليهم.
ان الذين قالوا ربُّنا الله الذي لا إله غيره، ثم أحسَنوا العملَ واستقاموا عليه بإيمان كامل، لا خوفٌ عليهم من فزعِ يوم القيامة وأهواله، وهُم لا يحزنون على ما خلّفا وراءهم بعد مماتهم، أولئك هُم أهلُ الجنة خالدين فيها، ثواباً لهم من الله على أعمالهم الصالحة التي ك انوا يعملونها في الدنيا. وهذه أحسنُ بُشرى يزفُّها القرآن الكريم للمحسنين، فهنيئا لهم.
ثم تأتي الوصيّة بالوالدَين، وقد وردت التوصية بهما في غير آيةٍ لِما للوالدَين من منزلةٍ كبيرة وكريمة في وجود الانسان.
ووصّينا الإنسان بأن يحسِن إلى والديه ويبرَّهما في حياتهما وبعد مماتهما، وخصَّ الأمَّ بالكلام لأنها تقاسي في حمله مشقةً وتعبا، وفي وضعه آلاماً كثيرة، ثم في إرضاعه وتربيته. فالطفلُ يقضي معظم وقتِه مع أمهِ، وفي رعايتها وحنانها وعطفها.. لهذا كلّه تستحقّ الكرامةَ وجميل الصحبة والبر العظيم. وقد وردت احاديث كثيرة تحثّ على بِرّ الأمهات.
روى الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمَّكَ ثم أمك ثم أمك، ثم أباك» ورواه أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية بن حيدة.
وهناك حديث مشهور: «الجنّةُ تحت أقدام الأمهات» رواه الخطيب والقضاعي عن أنسٍ رضي الله عنه، وروي أيضاً عن ابنِ عباس رضي الله عنه.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي قال لرجلٍ يسأله عن حقوق الوالدين: «هما جنَّتاك وناراك» وفي البخاري ومُسْلم والترمذي: «أحقُّ الناسِ بالصحبة الأم» والأحاديثُ كثيرة يمكن الرجوع اليها في كتب الحديث.
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً}
يعني إن مدة الحمل والفطام ثلاثون شهرا، تكابد الأم فيها الآلامَ الجسمية والنفسية، فتسهَرُ الليالي العديدةَ على طفلها، وتغذّيه وتقوم بجميع شئونه بلا ضَجَر ولا ملل.
ويؤخذ من هذه الآية {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} ومن الآية: {والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} [البقرة: 233] أنّ أقلَّ مدة الحمل ستةُ أشهرٍ فاذا ولدت امرأة ولداً بعد ستة أشهر من دخولها في عصمة الزوج يُعترف به.
حتى إذا بلغ كمالَ قوّته وعقله ببلوغه أربعين سنةً، ويكون في كامل قواه الجسمية والعقلية، يقول عندها: ربِّ ألهِمني شُكرَ نعمتك التي تفضّلتَ بها عليّ وعلى والديّ، ووفقني إلى العمل الصالحِ الذي ترضاه، وارزقني ذريةً صالحة تسير على درب الهدى والايمان، إني تُبت اليك من كلّ ذنب {وَإِنِّي مِنَ المسلمين} المستسلمين لأمرِك ونَهيك.
هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات الحميدة نتقبّل منهم أعمالَهم الحسنة، ونجازيهم عليها أحسنَ الجزاء. وهم منتظِمون في سلك أصحاب الجنة {وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ} والله تعالى لا يُخْلف وعده.
قراءات:
قرأ أهل الكوفة: {احسانا} وقرأ الباقون: {حسنا}. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وأبو عمرو: {كَرها} بفتح الكاف. والباقون: {كُرها} بضمها وهما لغتان. وقرأ يعقوب: {وفصله}، والباقون: {وفصاله}. وهما لغتان.

1 | 2 | 3